همسات طبية - 1
--------------------------------------------------------------------------------
أمراض الشرج والمستقيم
استعان ذات يوم احدهم طالباً قدومي على وجه السرعة ،وبخجل شديد وحياء بدأ يسرد قصته المرضية متلعثماً بكلماته ، يريد جاهداً إفهامي بالتلميح دون أن يعرج على مرضه، تاركاً ليديه حرية الحركة بالتعبير، يشيح بوجهه عني كأنما ارتكب إثماً يخشى عقابه.
وأنا أرقبه وكل آذان صاغية، أحاول أن أفسر اللجلجة التي يعاني منها والألم البادي على محياه ، هناك ضما د طبي بسيط يحيط بعنقه ، ومن حركته كنت ألحظ رأسه وهو يتمايل بكل أريحية، فلا أجد رابطاً يفسر لي علاقة ألمه بذالك الضما د.
حين دخلت عليه ذالك الصباح... وصل بعض الأشخاص الذين جاؤوا لزيارته ، إنها لوا عليه بأسئلتهم المعتادة والمكررة، دون أن يتركوا للرجل فرصة لأخذ النفس ، ويلحون بالإجابة على تساؤلاتهم من طريقة أسـئلتهم ، وهو يتلوى من الألم ووقع كلماتهم ، يرد عليهم باقـتضاب شديد دون أن يلفت انتباههم لمعاناته ، حينها عزمت على التدخل لإنقاذه بكل كياسة وأدب ، طالباً منه عدم التكلم والراحة التامة خوفاً على عنقه المضمد- وأنا أجهل مما يعانيه أصلاً- .
فَهـِم الآخرون على ما يبدوا قصدي ،فخـفخـفـوا يردفون عباءاتهم على ظهورهم متمنيين له الشفاء.
أثنى عليَّ بعد انفرادنا موصيا ولده بأن لا يُعَكر صفونا أحدا.
امسك بأطراف الحديث، مُتخذا وضعية مريحة في فراشه دون خجلٍ قائلاً : يادكـتور ساعدني الله يستر عليك..!
تبسمت مطبطباً على يده ، أشد من أزره قائلاً: فسر لي الألم الذي تعانيه ، فلا يمكن لرقبتك أن تؤلمك وأنت تحركها بحرية ،أعتقد أن مشكلتك تقبع بمكان آخر.
قال : نعم سوف أشرح لك.
أُجريت منذ يومين عملية بسيطة في عنقي – وخطر ببالي خاطر قبل العمل الجراحي- لماذا لا أضرب عصفورين بحجر ، طلبت من طبيبي اجراء عملية أُخرى ، كنت أًُعاني آلاماً مزعجة منها وتقلقني كثيراً ، أكد طبيبي حُسْنَ رأي وهوّنَ الأمر عليَّ – ربما جاراني – ولم ينبهني إلى الألم الاحق.
وكما ترى أسررت الأمر على أهلي وأصحابي ، وأضحيت أتظاهر بأن مصدر الألم هو من عنقي ، لكن ألمي مصدره غير ذلك ، ويشير إلى مؤخرته ، غير أن عنقي والحمدلله سليم. ضحكت كثيراً من بساطته ، وأرحته مما يكابده من ألم ، ونظرت بعين الريبة والشك لمجتمعنا ، وكيف يصنفون أمراض الشرج والمستقيم في مجالسهم ، فيتخذونها هزلاً بينهم ، فكان لزاماً على صد يقي إخفاء مرضه حتى تاريخ اليوم.