همسات طبية -2
--------------------------------------------------------------------------------
المس الشرجي
عبر سنين من مزاولة المهنة تمر بنا لحظات نتعثر بها وتتعثر بنا، فتبكينا تارة وتضحكنا تارة أخرى.
في سنتي الثالثة كنا أطباء مقيمين نقدم العون والمساعدة لمن يحتاجنا بظروف معيشية صعبة ورغم قلة عددنا – كنا لانتجاوز الخمسة عشر طبيباً في أحسن الأحوال -.
كان حجم العمل المنوط بنا كبيراً، وكنا نعمل بصدق وتفانٍ - ننقسم إلى مجموعات...الاسعاف المركزي...الجناح.... العيادات الخارجية...والعمليات ... وفي غمرة هذه الظروف نرتبك إذا أسعف عشرون أو ثلاثون دفعة واحدة إثر حادث سير.
ما يزيد في تعقيد الأمور ، كثرة الزوار الذين يتدفقون ليطمئنوا عل مرضاهم.
فتحسب أن مضاربهم قد خلت من أهلها، وتأتي النسوة تجر كل واحدة منهن عدة أطفال، كلهم جاؤوا ليزوروا مرضاهم.
ناهيك عن الوحول العالقة بأحذيتهم، يتربعون جماعات دائرية ليدخلون بنقاشات أشكلت عليهم بقراهم ، فتعلوا أصواتهم غير مكترثين لما يحيط بهم.
وينتشر عبق الدخان في الغرف والرداه ، وتتناثر الوحول وأعقاب السجائر، وتتزاحم برادات الشاي والكؤوس للتتناثر على الأرض وعلى أطراف الشبابيك لتعطي منظراً قبيحاً.
ونحن نجهد أنفسنا وبالكاد نلتقط انفاسنا فلا ينقضي النهار إلا ونحن بحاجة لمن يرعانا ويشرف علينا.
ويكون سعيد الحظ من يصدفه بعد هذا النهار مناوبة ليلية - إسعاف مركزي – فلا يحسد بعدها... وكنت سعيد الحظ!!!.
تابعت ليلتي، بعد أن نال مني التعب والإرهاق حتى مطلع الفجر، أستلقيت على سرير مخصص لنا في غرفة الطبيب، بعد هنيهة من غفوة حالمة لم أهنأ بها، أستيقظت على صوت الممرض وهو يوقظني بلطف....(عدنا اسعاف دكتور).
نهضت متمايلاً لأرى رجلاً في العقد الرابع من العمر يتمتع بكامل حيويته ونشاطه ، رد التحية وهو مقطب الجبين ، سألته عن علته قال: أعاني من ألم في بطني ، فتفوح من فيه رائحة الكحول.
فحصته بكل هدوءٍ واستقصيت قصته المرضية....وهّونت الأمر عليه بعد أن أجريت له التحاليل الأولية والاستقصاء الشعاعي ، فما وجدت ما يشير إلى علة – الساعة بعد الرابعة صباحاً-.
شعرت أني قد نلت ثقته واحترامه بما قدمت له من عناية واهتمام وسألته: من أين أتٍيت ؟.
قال : كنت أتسامر مع ثلة من الأصدقاء ونلهوا....ومررت من أمام المشفى ، وناجتني نفسي بالمرور عليكم .
قلت له: بكل حزمٍ هناك فحص أخير أجريه لكم لنطمئن على سلامة بطنكم.
طلبت منه وضعية السجود لأجري له مساً شرجياً ، أنصاع لطلبي، أمتعض إثرها كثيراً ، وبانت عليه علامات عدم الرضا!!!!.
سألني : هل كان الفحص الشرجي ضرورياً ؟.
قلت له: نعم ولا!!!!.
قال : لماذا أجريته إذاً؟.
قلت له: حتى لاتناجيك نفسك ثانية في مثل هذه الساعة, فتجري لنا مساً شرجياً ساعة تشاء , وتحسبنا عاجزين عن الرد عليك.
ضحك كثيراً وقال: ( قدرتلي يادكتور).