همسات طبية-4
--------------------------------------------------------------------------------
المندل
تنتشر الأقاويل بين الناس كانتشار النار في الهشيم ، وأسمع وأكاد أصدق للحظات بما يتمتع هؤلاء الناس من قدرات خفية لكشف المستور ومعرفة الأسرار .
يسيطرون سيطرة كاملة على البسطاء من العامة وأغلب الظن بأنهم يمارسون عقد النقص الكامنة . ويعالجونهم بضروب من الدجل والاحتيال ،مستغلين سذاجة العامة وبساطتهم .
وتعجز بالحجة والمنطق من تحذيرهم بأنهم يستغلونكم ليحققوا مكاسب مادية على حساب جيوبكم وعقولكم لكن لاحياة لمن تنادي.
من أم الواجعات ( تداوي العيون وتستخرج لك من عينيك جميع أنواع الحجر والقش).
وأبو(...)الذي يعالج شتى أنواع الكسور والخلوع.
ومن جازف بالسفر الى خارج المحافظة لمراجعة أفاق ذُكِرَ له بأنه يعالج الصدف أوالديسك .
وهناك من استعمل الحيوانات لأثبات مكرماته (تيس البوكمال).
ومن هذه الزمرة ضاربي ((المندل)) الذين ينتشرون في مدننا وأريافنا يستغلون الفقراء والبائسين ومن تعثر بهم مثلي .
فقدت زوجتي مصاغاً ذهبياً ، فعاثت في البيت فساداً تبحث عنه ...كنت أخفف من حزنها والتمس لها الأعذار...حتى جاءتها المشورة من إحداهن عليك بالمندل؟؟.
حدثتني ببساطة وكياسة…وتمسكنت حتى تمكنت مني فطاوعتها .
قالت: لقد رتبت كل شيئ وماعلينا إلا أن تأخذ أبنة أخيك معنا – عمرها دون الاربع سنوات - لكي ينجح المندل.
توجهنا ترافقنا الطفلة وبدأت تقص لها وتشجعها وتشد من أزرها ...لاتخافي ( إحنا بجنبك بس تشوفين شي علمينا) إلى ماهنالك من رفع لمعنويات الطفلة.
بوصولنا إلى المكان رحب بنا ذاك الشخص الترحيب العجيب - وشوي يذبح علينا – وهو يجهل بأني طبيب. وابنة أخي ترتجف رعباً من الخوف كأنك تجرها للمقصلة...تهمسني عمو لاتتركني ؟ وأنا اهدئ من روعها وأطبطب عل رأسها لاتخافي!!!
بدأ يعد عدته ، وبدأبقراءة طلاسم ماأنزل الله بها من سلطان ، ويطوح بيديه ، ورويداً رويداً سحب الطفلة الملتصقة بيّ وطلب منها أن تغمض عينيها وتروي لنا ما تراه.
قال لها: هل ترين الحارة؟ نعم أراها ....تقدمي وصلت الى الباب الأسود... نعم وصلت...افتحيه... فتحته... على اليمين ترين باب بلون أخضر أدخلي.... دخلته... افتحي الخزانة (الوسطانية)... فتحتها... هناك ثلاث (جداري)... افتحي الوسطانية وشوفي بيها ذهب؟ نعم شفت الذهب!!!
تبسمت زوجتي وكأن مصاغها رُدَ اليها!!!!
علا صوته ثانية ايذاناً بإرجاع من أظهرهم من تحت الأرض ليعيدهم إليها ثانية... ونحن صاغرون ننظر ولا نسمع حراكاً سوى حركاته الشيطانية.
دلست له مبلغ من المال كانت قد اطلعتني عليه زوجتي وشكرته بعد أن تأكد من أننا عرفنا البيت والمكان والمصاغ!!!!
توجهت وحيداً إلى ذاك البيت الموصوف ووقفت أمام الباب الأسود وأنا أضرب اخماس بأسداس ..فجأة فتحت الباب امرأة مسنة لتراني قبل أن اقرع الجرس مرحبة ومهلية ومطمئنة عليَّ وعلى أهلي فلقد تعرفت علىَّ قلت لها: هل لي بالدخول لأغسل يدي .
تفضل يادكتور( ياهلا ومرحب) حاولت المسير أمامي لتدلني – من باب التكريم- أصريت بأن لاتبرح مكانها. دلفت بسرعة إلى الباب الأخضر فتحت الخزانة الوسطانية ( الجدرية الوسطانية) لم أرى شيئاً.... بللتُ يديَّ بالماء وخرجت مسرعاً أشكرها وأأسف لأزعاجها..وهي تودعني بكل ما أوتيت من كلمات جميلة تحفظها .
اليوم التالي عثرت زوجتي على مصاغها .... استنكرت فعلتي ، وعاتبت نفسي كثيراً واستغربت من ذلك الأفاق كيف استطاع أن ينال مني . وتساءلت بيني وبين نفسي إذ استطاع هذا الماكر أن يُغَِررَ بيَ فكيف لايغرر بذاك الأمي البسيط المسكين؟؟؟؟؟.